الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
قال ابن إسحاق : وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، واليهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يُعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله في ذلك من قولهم : قال ابن إسحاق : ثم قال الله عز وجل يؤنبهم : قال ابن هشام : تسفكون : تصبون . تقول العرب : سفك دمه ، أي صبه ؛ وسفك الزق ، أي هراقه . قال الشاعر : وكنا إذا ما الضيف حل بأرضنا * سفكنا دماء البُدْن في تربة الحالِ قال ابن هشام : يعني ( بالحال ) : الطين الذي يخالطه الرمل ، وهو الذي تقول له العرب : السهلة . وقد جاء في الحديث : أن جبريل لما قال فرعون : قال ابن إسحاق : فكانوا فريقين ، منهم بنو قينقاع ولَفُّهم ، حلفاء الخزرج ؛ والنضير وقريظة ولَفُّهم ، حلفاء الأوس . فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب ، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يُظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان : لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أُساراهم تصديقا لما في التوراة ، وأخذ به بعضهم من بعض ، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم في أيدي الأوس ، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم . ويُطِلُّون ما أصابوا من الدماء ، وقتلى من قُتلوا منهم فيما بينهم ، مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى لهم حين أنَّبهم بذلك : ثم قال تعالى : قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه ، قال : قالوا : فينا والله وفيهم نزلت هذه القصة ، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية ونحن أهل الشرك وهم أهل كتاب ، فكانوا يقولون لنا : إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه ، نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قريش فاتبعناه كفروا به . يقول الله : قال ابن هشام : فباءوا بغضب : أي اعترفوا به واحتملوه . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة : أُصالحكم حتى تبوءوا بمثلها * كصرخة حُبْلى يسَّرتها قَبيلُها قال ابن هشام : يسرتها : أجلستها للولادة . وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : فالغضب على الغضب لغضبه عليهم فيما كانوا ضيَّعوا من التوراة ، وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحدث الله إليهم . ثم أنَّبهم برفع الطور عليهم ، واتخاذهم العجل إلها دون ربهم ؛ يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي حسين المكي ، عن شهر بن حوشب الأشعري : أن نفرا من أحبار يهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن ، فإن فعلت ذلك اتبعناك وصدقناك ، وآمنا بك . قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بذلك عهدُ الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقُنَّني ؛ قالوا : نعم ؛ قال : فاسئلوا عما بدا لكم . قالوا : فأخبرْنا كيف يشبه الولد أمه ، وإنما النطفة من الرجل ؟ قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فأيَّتهما علت صاحبتها كان لها الشبه ؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا كيف نومك ؟ فقال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نوم الذي تزعمون أني لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ فقالوا : اللهم نعم ؛ قال : فكذلك نومي ، تنام عيني وقلبي يقظان . قالوا : فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى ، فعافاه الله منها ، فحرم على نفسه أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله ، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها ؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا عن الروح ؟ قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمونه جبريل ، وهو الذي يأتيني ؟ قالوا : اللهم نعم ، ولكنه يا محمد لنا عدو ، وهو ملك ، إنما يأتي بالشدة وبسفك الدماء ، ولولا ذلك لاتبعناك ؛ قال : فأنزل الله عز وجل فيهم : قال ابن إسحاق : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين ، قال بعض أحبارهم : ألا تعجبون من محمد ، يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا ، والله ما كان إلا ساحرا . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم : قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول : الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد والكليتان والشحم ، إلا ما كان على الظهر ، فإن ذلك كان يُقرَّب للقربان ، فتأكله النار . قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر ، فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صاحب موسى وأخيه ، والمصدق لما جاء به موسى : ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم : وإني أنشدكم بالله ، وأنشدكم بما أنزل عليكم ، وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى ، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله ، إلا أخبرتموني : هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كُرْه عليكم . قال ابن هشام : شطؤه : فراخه ؛ وواحدته : شطأة . تقول العرب : قد أشطأ الزرع ، إذا أخرج فراخه . وآزره : عاونه ، فصار الذي قبله مثل الأمهات . قال امرؤ القيس بن حجر الكندي : بمحنية قد آزر الضال نبتُها * مجرَّ جيوش غانمين وخُيَّبِ وهذا البيت في قصيدة له . وقال حميد بن مالك الأرقط ، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة : زرعا وقضبا مُؤْزَرَ النباتِ* وهذا البيت في أرجوزة له ، وسوقه ( غير مهموز ) : جمع ساق ، لساق الشجرة . ما نزل في أبي ياسر وأخيه قال ابن إسحاق : وكان ممن نزل فيه القرآن ، بخاصة من الأحبار وكفار يهود ، الذي كانوا يسألونه ويتعنتونه ليلبسوا الحق بالباطل - فيما ذكر لي عن عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله بن رئاب - أن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة البقرة : ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، هل مع هذا غيره ؟ قال : نعم ؛ قال : ماذا ؟ قال : قال ابن إسحاق : وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر : أن هؤلاء الآيات إنما أُنزلن في أهل نجران ، حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى بن مريم عليه السلام . قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، أنه قد سمع : أن هؤلاء الآيات إنما أُنزلن في نفر من يهود ، ولم يفسر ذلك لي . فالله أعلم أي ذلك كان . قال ابن إسحاق : وكان فيما بلغني عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته ؛ فقال سلام بن مشكم ، أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكره لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : قال ابن إسحاق : وقال مالك بن الصيف ، - حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر لهم ما أخذ عليهم له من الميثاق ، وما عهد الله إليهم فيه - : والله ما عُهد إلينا في محمد عهد ، وما أُخذ له علينا من ميثاق . فأنزل الله فيه : وقال أبو صَلُوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية فنتبعك لها . فأنزل الله تعالى في ذلك من قوله : وقال رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، ائتنا بكتاب تُنَزِّله علينا من السماء نقرؤه ، وفجِّر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك . فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما : قال ابن هشام : سواء السبيل : وسط السبيل . قال حسان بن ثابت : يا ويح أنصار النبي ورهطه * بعد المغيَّب في سواء المُلْحدِ وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . ما نزل في صد حيي و أخيه الناس عن الإسلام قال ابن إسحاق : وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر بن أخطب ، من أشد يهود للعرب حسدا ، إذ خصهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم ، وكانا جاهدين في رد الناس بما استطاعا . فأنزل الله تعالى فيهما :
|